الاثنين، 28 مارس 2016

معركة اليرموك



استعدادات التجهيز من جانب البيزنطيين
لم يصمد البيزنطيون في بعلبك، ولم يدافعوا دفاعًا جادًا عن حمص، فاتسع الخرق على هرقل بعد سقوط عدد من المدن الصغرى والكبرى، فكان ذلك بمثابة التحدي للإرادة البيزنطية، غير أن الإمبراطور البيزنطي العسكري المحترف، لم يدع الهزائم تدفعه إلى اليأس والتراجع، ولم يفقد الأمل في تحقيق انتصار على المسلمين يعيد إليه هيبته ومكانة الإمبراطورية، ويجلي هؤلاء عن بلاد الشام، فاستجاب لهذا التحدي، وكان قد انهمك بعد أجنادين، وسقوط دمشق وبعلبك وحمص، في إعادة تشكيل قواته، وتكثيفها على نحو يطمئن معه إلى تعديل الموقف في بلاد الشام لمصلحة البيزنطيين، فراح يتنقل بين الجزيرة وأرمينية وأنطاكيةيجند المتطوعين، وكتب إلى عماله أن يحشدوا كل من أدرك الحلم من سكان الإمبراطورية، كما دعا سكان العاصمة (القسطنطينية) بالتطوع للقتال، ولم يكتف بذلك، بل كتب إلى رومة عاصمة الإمبراطورية الرومانية الغربية يطلب نجدة عاجلة تساعده على التخلص من موقفه العصيب، إلا أنه واجه عدة صعاب في جمع فلول جيوشه، وتجنيد أعداد من المرتزقة والأرمن، وبعض نصارى العرب في الوقت الذي كان يعاني من نفاد المال، والإرهاق الشديد، بعد الجهد الذي بذله بصورة متواصلة طوال أربعة عشر عامًا منذ خروجه في عام 1هـ / 622م من القسطنطينية.
وبعد جهد سريع، استطاع أن يجمع جيشًا يفوق تعداده مائة ألف مقاتل، وضم:
- وحدات بيزنطية نظامية، وطبيعي أنها تتألف من مقاتلين غير عرب.
- فرقًا من أنطاكية وقنسرين وحلب، وأغلب الظن أنهم من السكان الوطنيين غير العرب، والذين كانوا على النصرانية.
- اثني عشر ألف مقاتل من رجال القبائل العربية المتنصرة المقيمة في بلاد الشام بقيادة الأمير الغساني جبلة بن الأيهم، وبينهم مقاتلين من لخم وجذام والقين وبلي وعاملة بالإضافة إلى غسان، وقبائل أخرى من قضاعة، والمعروف أن المعركة وقعت في منطقة كانت تابعة للغساسنة، وأن هؤلاء لم يرضوا عن سيطرة المسلمين عليها، ومن ثم فقد كانوا مشاركين مهمين في المعركة، وعين على هذا الجيش قائدًا أرمينيًا هو باهان كان يدين بالنصرانية، وانخرط في الجيش البيزنطي.
وواضح من كل ما سبق أن الرابطة التي كانت تؤلف بين أفراد هذا الجيش هي:
- الهوية البيزنطية كهوية سياسية.
- النصرانية كانتماء ديني.
وأحاط الحملة بهالة من الضخامة والدعاية، مما جعلها تتخذ طابعًا صليبيًا [1].
وضع هرقل خطته العسكرية على أساس ضرب كل قائد من قادة المسلمين المتفرقين في الجنوب على حدة، فخرج الجيش البيزنطي من أنطاكية متوجهًا نحو الجنوب، حتى إذا اقترب من حمص انسحب المسلمون من أمامه، فتعقبهم حينًا، وسابقهم أحيانًا حتى استقر في أذهان أفراده أن المسلمين يريدون الانصراف عن بلاد الشام، ثم واصل تقدمه خلال وادي البقاع إلى بعلبك، ولم يتوجه بعد ذلك إلى دمشق التي تجمع فيها المسلمون، وإنما توجه نحو الحولة في حركة التفاف تستهدف تطويق هؤلاء على ما يبدو، وقطع اتصالاتهم مع الجنوب حيث سائر جيوشهم بسواد الأردن ونواحيها، ومع التفوق العددي للجيش البيزنطي يصبح هذا الوضع بالغ الخطورة.
ثم حدث أن غادر الجيش البيزنطي المنطقة، وتوجه نحو فلسطين حيث تجمع المسلمون في اليرموك بعد أن أخلوا منطقة شمالي بلاد الشام، وعسكر أفراده شرق وادي علان أو العلك ابتداء من الضفة الشمالية لليرموك، ونحو الشمال، وانتشروا في العمق غربًا باتجاه وادي الرقاد، وامتدوا من اليرموك جنوبًا مرورًا بسحم الجولان فتسيل حتى غرب نون شمالًا بحيث استندت مؤخرتهم على الضفة الشرقية لوادي الرقاد غربًا، واستندت ميمنتهم على الضفة الشمالية لنهر اليرموك جنوبًا، أما ميسرتهم، فظلت طليقة باتجاه الشمال، وبهذا التمركز حشروا أنفسهم بين وادي الرقاد غربًا، ووادي اليرموك جنوبًا إلا أن طريق الشمال ظلت مفتوحة أمامهم، فكانت الإمدادات تصل إليهم، عبرها، ويتصلون من خلالها بقيادتهم العليا في أنطاكية، وكانت نقطة ضعفهم أنه كان من اليسير على المسلمين الالتفاف على مسيرتهم، وسد المنفذ الوحيد الذي يصلهم بداخل بلاد الشام، وبالتالي بعاصمتهم وقيادتهم.
استعدادات التجهيز من جانب المسلمين
علم أبو عبيدة بن الجراح بواسطة الجواسيس التي بثها بين البيزنطيين بهذا الحشد الضخم، فعقد اجتماعًا فوريًّا لقادته للتشاور، فتقرر أن يغادر المسلمون حمص إلى دمشق حيث يوجد خالد؛ ولأنها أقرب إلى حدود الجزيرة العربية.
كان أبو عبيدة قد استعمل حبيب بن مسلمة على خراج حمص، فأرسل إليه كتابًا يقول فيه: "أردد على القوم الذين صالحناهم من أهل البلد ما كنا أخذنا منهم، فإنه لا ينبغي لنا إذا لم نمنعهم أن نأخذ منهم شيئًا، وقل لهم نحن على ما كنا عليه فيما بيننا وبينكم من الصلح لا نرجع فيه إلا أن ترجعوا عنه، وإنما ردنا عليكم أموالكم أنا كرهنا أن نأخذ أموالكم، ولا تمنع بلادكم، ولكنا نتنحى إلى بعض الأرض، ونبعث إلى إخواننا، فيتقدموا علينا ثم نلقي عدونا فنقاتلهم، فإن أظفرنا الله بهم وفينا لكم بعهدكم إلا أن لا تطلبوا ذلك".
نفذ حبيب أمر أبي عبيدة ورد للقوم ما كان قد أخذه منهم من الجزية، وقد تأثر أهل حمص بهذا الموقف، والواقع أن هذا التدبير لم يقتصر على أهل حمص فقط، بل شمل كافة المدن والقرى المفتوحة التي وقعت عهودًا مع المسلمين، فقد كتب أبو عبيدة إلى كافة عمالة أن يردوا الجزية التي حصلوا عليها إلى أصحابها.
ومهما يكن من أمر، فقد أمر أبو عبيدة برحيل جيش المسلمين إلى دمشق، وأخبر عمر بذلك، تألم الخليفة من رحيل المسلمين عن حمص خوفًا من البيزنطيين، وتركوا أرضًا فتحها الله عليهم، ولكنه اطمأن عندما علم أن هذا التدبير جاء عن إجماع القادة، وأمد أبا عبيدة بقوة عسكرية إضافية بقيادة سعيد بن عامر.
أزال هذا التطور العسكري على الأرض الرعب من قلوب سكان بعض الأقاليم المفتوحة، فنقضوا عهودهم مع المسلمين، وأثاروا الاضطرابات ضدهم. وشهدت مناطق الأردن وفلسطين ثورات عاتبة أثرت سلبًا على الوجود الإسلامي، وقد رفععمرو بن العاص تقريرًا بذلك إلى أبي عبيدة، مما استدعى عقد اجتماع آخر للقادة قرروا فيه الخروج إلى الجابية، واستدعاء عمرو بن العاص للانضمام إليهم، ثم يتهيأون للقتال، وهكذا قرر القادة المسلمون الصمود والمقاومة على أرض الشام.
وفوَّض أبو عبيدة في هذه الأثناء سلطانه إلى خالد بن الوليد، إذ كان أقدر القادة في تحمل مسئوليات المهمات الصعبة، فاختار اليرموك مركزًا لتجمع القوات، ومن الواضح أن اختيار ذلك المكان إنما جاء خشية المسلمين في ذلك الدور من عملية إنزال بحري يقوم بها البيزنطيون، الأمر الذي يجبرهم على الاحتماء بداخل البلاد، هذا فضلًا على أنه يمكنهم من الانسحاب في حال الضرورة إلى داخل الصحراء العربية، والمعروف أن قوى البيزنطيين كانت تسيطر على البحر المتوسط.
وصل المسلمون إلى اليرموك، فوجدوا البيزنطيين قد سبقوهم إليه، فنزلوا عليهم بحذائهم وعلى طريقهم، إذ ليس للبيزنطيين طريق إلا عليهم، وقد بلغ عددهم ستة وثلاثون ألف مقاتل، والواقع أن خالدًا تمركز بجيشه قبالة البيزنطيين، غرب وادي الهرير ابتداء من الضفة الشمالية لليرموك، ونحو الشمال، وانتشر في العمق شرقًا باتجاه وادي الهرير، وامتد عسكره من تل الأشعري عند مجرى اليرموك جنوبًا حتى غرب جلين، فشرق سحم الجولان وتسيل ونوى شمالًا؛ بحيث استندت مؤخرته على وادي الهرير شرقًا، واستندت ميسرته على اليرموك جنوبًا، أما ميمنته، فظلت طليقة باتجاه شمال نوى، فسد بذلك على البيزنطيين منفذهم الوحيد إلى الشمال.
استعدادات القتال في اليرموك
عبأ باهان جيشه كعادة البيزنطيين في ذلك العهد في كراديس، كل كردوس مؤلف من ستمائة جندي، ثم في فرق وكل فرقة مؤلفة من عشرة كراديس، ورتب هذه الكراديس في ثلاثة خطوط، فوضع أربعة كراديس في الخط الأول، وثلاثة في كل من الخطين الثاني والثالث، ثم وضع الرماة في المقدمة، والخيالة في الجناحين، وبهذه التعبئة شكلت كراديس المشاة قلب الجيش الذي رتب ثلاثين خطًا، وأوكل إلى كل من هذه القوى مهمات قتالية محددة، ووضع القساوسة أمام كل خط يحملون الصلبان في أيديهم لبث الحماس في نفوسهم الجند، وفعلًا دفع الحماس ببعض الجند أن ثلاثين ألفًا منهم وضعوا القيود في أرجلهم، حتى لا تراودهم فكرة الانسحاب.
التعبئة الخالدية
أما المسلمون، فإنه لم يكن لهم تنظيم عسكري حديث قبل اليرموك، بل كانوا يتبعون تنظيم الخميس، وهو الذي عرفه العرب في حروبهم السابقة كأمة دون أن يعرفوا تنظيم الكراديس، لكن خالد بن الوليد عرف بفطنته العسكرية أن جيشه بحاجة إلى تنظيم جديد يضاهي تنظيم البيزنطيين حتى يتمكن من مجابهتهم، فلم يجد أفضل من تنظيمهم لقتالهم به، وهكذا اعتمد المسلمون لأول مرة في تاريخ الحروب الإسلامية تنظيم الكراديس مع تنظيم الخميس مجتمعين، وهو ما سمي بـ"التعبئة الخالدية"، فعبأ خالد جيشه، مشاة وخيالة في ستة وثلاثين كردوسًا، كل كردوس مؤلف من ألف مقاتل، ثم في فرق، كل فرقة مؤلفة من عدد من الكراديس يتراوح بين عشرة وعشرين كردوسًا، وذلك على أساس التجمعات القبلية، نظرًا لما يقاتل به العرب مجتمعين من روح عصبية قبلية على الرغم من إسلامهم، ونشرها على امتداد الجبهة، وأبقى لديه احتياطًا من الخيالة المتحركة، وضعها بإمرته، وكان ضرار بن الأزور من بين قادتها، كما وضع النساء في المؤخرة وراء خطوط المقاتلين للعناية بالجرحى والمرضى وسقاية المقاتلين أثناء القتال، وتشجيعهم وإثارة حماسهم، ورد الرجال الفارين إلى المعركة.
وجاء التنظيم على الشكل التالي:
- القلب: ستة عشر كردوسًا بقيادة أبي عبيدة، ومعه عكرمة بن أبي جهل، والقعقاع بن عمرو.
- الميمنة: عشرة كراديس بقيادة عمرو بن العاص، ومعه شرحبيل بن حسنة.
- الميسرة: عشرة كراديس بقيادة يزيد بن أبي سفيان.
- المقدمة: بقيادة قباث بن الأشيم، وهي عبارة عن فرقة قليلة العدد نسبيًا مهمتها مراقبة تحركات العدو، والمحافظة على التماس معه.
- المؤخرة: بقيادة سعيد بن زهير ومعه خمسائة فارس، ومهمته قيادة الظعن وحمايتهن.
كان خالد أبعد نظرًا فيما يجب عليه أن يفعله، وما يجب أن يتجنبه، إذ كان من الواجب عليه أن لا يبدد قواته، وينهكها في معارك جانبية صغيرة، وبذل جهدًا كبيرًا لفصل الجيش البيزنطي عن قواعده، وقطع طريق إمداداته مع الشمال في الوقت الذي نجح في استدراجه للقائه تجاه الصحراء جنوبًا، والتي كانت طريقًا مفتوحًا للمسلمين كما ذكرنا، حيث ظلت الإمدادات ترد إليهم، وحيث يستطيعون الانسحاب إذا خسروا المعركة، واعتمد على الوديان الصغيرة الضيقة، والشديدة والانحدار التي تتخلل المنطقة في حماية جيشه من الهجوم البيزنطي. من أجل ذلك قضى الجيشان الشهور الأخيرة من فصل الربيع وأوائل الصيف وكل منهما يتربص بالآخر، ويأمل في أن يضعه في موضع تكون به عوائق يستغلها، لقد أخر البيزنطيون الاشتباك كي يتاح لجنودهم التأقلم مع طبيعة الأرض من حولهم، والحصول على أخبار إضافية عن المسلمين، وإضعافهم عن طريق الدسائس، فيكتسبوا الثقة بأنفسهم [2].
أحداث معركة اليرموك [*]
وضع خالد بن الوليد خطته العسكرية على أساس أن يثبت المسلمون أمام هجمات البيزنطيين حتى تتضعضع هذه الهجمات وتتصدع صفوفهم، وأخذ في حسبانه أيضًا إمكان عجز المسلمين عن الصمود، ولكن سوف يختل نظام صفوف البيزنطيين على أي حال، وهنا يكون الوقت مناسبًا للقيام بهجوم مضاد.
ودارت في وادي اليرموك سلسلة من المعارك بين الطرفين على مدى خمسة أيام لم تكن متتالية، انتقل فيها المسلمون من نصر إلى نصر حتى توجوا هذه الانتصارات بضربة قاصمة، وجهوها إلى البيزنطيين يوم الواقوصة، وهو اليوم الخامس من القتال، وكان يوم الاثنين "5 رجب 15هـ/ 12 أغسطس 636م"، وقد تميز بهجوم إسلامي عام وشامل على القوات البيزنطية في ظروف طبيعية شديدة الحرارة، وفي حال أقرب ما تكون إلى العاصفة الرملية اللافحة، وقد أثارت غبارًا ضرب وجوه القوات البيزنطية مباشرة تجاه الشمال، مما ضايقها وشل تركيزها أثناء القتال، والراجح أن خالدًا استغل هذه الظاهرة الطبيعية، ومن المحتمل أنه قدر البيزنطيين يفضلون تجنب القتال في أشد أوقات اليوم حرًا، ومن ثم فقد قام بهجوم حاسم في ذلك الوقت، وبدأت جموع البيزنطيين تترنح تحت ضربات المسلمين، وبدا الإرهاق واضحًا عليهم، فمشاتهم وفرسانهم مثقلون بالعتاد والسلاح، مما أثر على مقدرتهم القتالية، فهم قليلو الحركة بطيئو المناورة، في حين يقاتل المسلم راجلًا وفارسًا بخفة وسرعة.
كان باهان يراقب تطور سير القتال، وحين لاحظ تراجع مقدرة رجاله القتالية أدرك أن المعركة خاسرة، فالتمس له ولفرسانه طريقًا للنجاة، ولاحظ خالد ذلك، ففتح له ثغرة باتجاه الشمال نفذ منها، وانسحب من المعركة مع أربعين ألفًا من فرسانه، وحمل المسلمون على من تبقى من القوات البيزنطية، والتي كانت أشبه بكتل بشرية ضخمة تدور حول نفسها، ولا تعرف من أين تؤتى، فتراجع الجنود تحت ضغط القتال نحو وادي اليرموك دون وعي، فسقط أكثرهم في الواقوصة، ولم تكد تغرب شمس ذلك اليوم حتى كان آخر مقاتل بيزنطي قد أخلى ساحة القتال، إما هاربًا أو جثة هامدة أو في قاع الوادي.
وأورد المؤرخ الأرميني سيبيوس، وكان معاصرًا لتلك الأحداث، معلومات مفصلة لها دلالتها، عن تلك المعركة التي قررت مصير بلاد الشام، تفيد بأن الجيش البيزنطي عبر نهر الأردن متسللًا إلى بلاد العرب تاركًا معسكره مكشوفًا على شاطئ النهر، وذهب أفراده للقاء العدو وهم مشاة، وبدا عليهم التعب، والإرهاق بسبب سيرهم مسافات طويلة، وفي المقابل، تربص قسم من الجيش الإسلامي في كمائن متفرقة استعدادًا للانقضاض على البيزنطيين، وقد أقام المسلمون خيامهم حول معسكرهم ثم أحاطوا الخيام والمعسكر بالجمال بعد أن ربطوا أرجلها بالحبال، وعندما بدأ القتال، هاجمت القوات البيزنطية المسلمين، فانطلق هؤلاء من كمائنهم وهاجموا القوات البيزنطية التي أصابها الهلع والاضطراب، وعندما أرادت الفرار للنجاة بنفسها، فشلت بسبب غزارة الرمال لدرجة أن الجندي البيزنطي كان ينغرس فيها حتى ركبتيه، في حين راح المسلمون يطاردون فلول الهاربين، بالإضافة إلى ذلك، فإن البيزنطيين لم يتحلموا شمس الشرق المحرقة، في مثل هذا الوقت من العام، وهكذا تساقطوا بين قتيل وجريح، ولم ينج من المذبحة غير عدد قليل، وتكشف روايته أن المسلمين، كانوا أمهر من البيزنطيين في إعداد الكمائن، والخدع العسكرية، وكانوا أعلم من أعدائهم بدروب المنطقة ومسالكها، وأكثر تحملصا لجوها الذي ألفوه، بلغت خسائر البيزنطيين سبعين ألفًا، وقدرت خسائر المسلمين بثلاثة آلاف قتيل وجريح، كان من القتلى عكرمة بن أبي جهل وضرار بن الأزور وهشام بن العاص وأبان بن سعيد وغيرهم، وكتب أبو عبيد بالنصر إلى عمر، وأرسل إليه سفارة صغيرة فيها حذيفة بن اليمان، وكان عمر لم ينم منذ ثلاثة أيام، وهو يتسقط أخبار اليرموك، وعندما جاءه البشير خر ساجدًا، وشكر الله [3].

جودا أكبر - إمبراطورية المغول الإسلامية فى الهند



يرجع اهتمام المسلمين بالهند إلى عهد الخلفاء الراشدين، فقد شنوا عدة حملات على أطراف هذه البلاد، إلا أن أول حملة نظامية كانت في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك. وقد شهد الإسلام هناك عدة مراحل، بدأت ببدايته الحقيقية على يدالغزنويين، ومن بعدهم الغوريين، تلا ذلك المماليك، وآل تغلق، والخلجيين، حتى وصلت إلى دولة المغولوالتي كانت من أعظم الإمبراطوريات التي حكمتالهند.
ظهير الدين محمد بابر:
ويعد ظهير الدين محمد بابر أحد كبار رجال التاريخ الإسلامي عامة، وتاريخ الهند خاصة، فهو من أبرز الشخصيات المغولية على المستويين السياسي والأدبي، وهو مؤسس دولة المغول في الهند التي استمرت في الحكم من القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي، إلى أواخر القرن الثالث عشر الهجري / التاسع عشر الميلادي.
وقد غزا بابر الهند خمس مرات، لم تكن الأربع الأولى أكثر من مجرد حملات استطلاعية؛ حتى جاءت معركة بانيبات 932هـ / 21 من مايو 1526م، حيث استمرت المعركة لمدة سبع ساعات، واجه فيها المسلمون المغول جيشًا قوامه مائة ألف جندي، وألف فيل، ووضع انتصار المسلمين حدًا لحكم الملوك التي كانت تحكم الهند آنذاك؛ والتي كانت شبيهة إلى حد كبير بملوك الطوائف في الأندلس؛ لما بينهم من تناحر، وتنافس، والذي كاد يقضي بالكلية على دولة الإسلام هناك، وكان هذا النصر إيذانا ببدء الحكم المغولي وفتح صفحة جديدة في تاريخ الهند .
وقد شهدت فترة ولاية السلطان المغولي بابر لبلاد الهند (1525م – 1530م) طفرة حضارية؛ وخاصة في مجالالعمارة، فشيد القصور والمساجد والحمامات والنافورات وخزانات المياه، في أكرا وسكرى وبيانة ودهلبور وكواليار وكول وغيرها من المدن، واستخدم بضعة آلاف من النحاتين والبنائين والمهرة في بنائها، وقد بقى من إنجازاته المعمارية حتى الآن ثلاثة مساجد في بانيبات وسنبل، وحصن اللوديين في أكرا.
ودفعه ولعه بالطبيعة إلى إقامة الحدائق والبساتين الغناء، منها بستان جارباغ بأكرا، وجلب إليها كثيرا من النباتات وأشجار الفاكهة التي لم تكن تعرفها الهند من قبل.
وعلى المستوى الأدبي فيكفي هنا ذكر بابرنامة، وهي: سيرة السلطان التي كتبها بنفسه، وقد كتبها بلغة تركية، وبأسلوب سهل جميل ومعبر، وهي تنم عن إلمام صاحبها بأصول الثقافة الإسلامية، وآداب العربية والفارسية والتركية، ولهذا تعد من الآثار الأدبية العظيمة، وتحتل مكانة خاصة في الأدب التاريخي الهندي، ولم تزل تنال تقديرا عالميا؛ بفضل ما تمتاز به من الوضوح في تصوير شخصية مؤلفها، بفضائله ورذائله وانتصاراته وهزائمه، وما صادفه من محن ومتاعب، وما كان يجري في مجالسه.
همايون بن بابر:
وقد خلف السلطان ظهير الدين محمد بابر ولده همايون ( 1508 م - 1556 م )، وكانت أفْعاله تتسم بالرحمة، ورُبما استدل البعض بتلك الأفعال على ضعف في شخصيته، وكان همايون حين تولى الحكم، لم يتجاوز الثلاثة والعشرين من العمر، وبدأ فترة ولايته بتقسيم الإمبراطورية على إخوته الثلاثة، وهو الأمر الذي ندم عليه فيما بعد؛ لأنهم حاولوا جميعًا الكيد له بكل قوتهم لإسقاطه عن العرش.
وقد خاض العديد من الحروب خلال فترة حكمه للمحافظة على حدود دولته وتوسيعها، وكان خلال تلك المعارك شجاعًا جسورًا يعرف كيف يخطط للحرب، واكتسب خبرة كبيرة مع الوقت في فنون القتال، كما كان محبا للكتب والمكتبات، فضمت مكتبته الملكية عددا ضخما من الكتب، كما كان شغوفا بالاطلاع على أفضل المؤلفات في عصره، وكان يصطحب معه في خروجه للقتال نخبة من الكتب المختارة لاستعماله الخاص خلال استراحة المحارب، واشتهر البلاط المغولي في عهد همايون بالفخامة وأحيانا الترف المبالغ فيه.
وإليه يرجع الفضل في ابتداع بعض فنون العمارة، وكان من أعجب أعمال همايون القصر الخشبي المتحرك ذو الطبقات الثلاث، والذي ركبت أجزاؤه بمهارة فائقة، حتى لتبدو وكأنها قطعة واحدة، ووضعت السلالم التي تؤدي إلى الطابق العلوي، بحيث كان من اليسير فكها وإعادة تركيبها، ويعتبر قبره الذي شيدته أرملته حميدة بعد موته نموذجًا معماريًا رائعًا، وهو الذي مهد لبناء تاج محل على نفس الطراز.
السلطان شير شاه صوري:
ومن الإنصاف عند الحديث عن دولة المغول في الهند وحضارتها أن نذكر السلطان الأفغاني الأصل السُني المذهب شير شاه صوري (1486م- 1545م)، وقد لُقِبَ بالملك النمر أو الملك الأسد. حكم شمال الهند أوائل القرن السادس عشر، وأوشك أن يطيح بالإمبراطورية المغولية مستغلا قوته، مما أدى إلى فرار السلطان المغولي همايون، واستولى شير شاه على مقاليد الحكم، فأثبت خلال فترة حكمه موهبة وجدارة، وكان رجل إدارة وسياسة من الطراز الأول.
وقد وضع قواعد للحكم والنظام والإدارة بقيت أساسا سار عليه من جاء بعده من المغول، حيث قسم شير شاه مملكته إلى سبعة وأربعين مديرية، وعين عليها رؤساء القبائل بهدف الحد من أطماعهم، وقسم كل مديرية إلى مجموعات من المدن -مقاطعات- تسمى ساركار، ويحكم كل مقاطعة موظفان مدنيان كبيران، اختص الأول بتطبيق القانون، وفرض النظام، بينما كانت مهمة الثاني الحكم في القضايا المدنية والخلافات.
ثم قسم كل مقاطعة إلى مراكز عدة، ويضم كل مركز عددا من القرى، وكان السلطان نفسه رأس هذا النظام، وقد قُتِلَ شير شاه صوري في معركة، بينما كان يحاول توسيع أراضيه، وتسلم ولده زمام الأمور لمدة تقدر بحوالي عشر سنوات أخرى، نجح بعدها المغول في استرجاع عرشهم مرة أخرى بعد أن استنجد همايون بالشاه الصفوي طهماسب.
جلال الدين أكبر بن همايون:
وقد كانت الأعمال الإصلاحية التي جرت في عهد شير شاه ذات فائدة كبرى للمغول؛ حيث نتيجة لاستقرار حكمه قويت الإمبراطورية، وتماسكت ورسخت لحكم جلال الدين أكبر بن همايون، والذي يعد من أهم ملوك دولة المغول في بلاد الهند (1542 م - 1605 م).
وقد بدأ عهده الأول بالعدل والخير وقرب إليه أهل العلم والصلاح، ثم نكص على عقبيه، وارتد ردة لم يشهد مثلها سلطان مسلم حكم بلدًا شاسعًا مثل الهند.
وقد حكم حوالي خمسين عاما أسهم خلالها بجهوده في نهضة البلاد، وجعل الدولة المغولية في الهند من أفضل الدول في العالم آنذاك، وضم في عهده الكجرات والبنغال وكابل والدكن وغيرها، وبذلك أضحت الدولة المغولية أقوى الدول الإسلامية وأكثرها ثراء، إلا أن ذلك لا ينفي انحرافه الديني في المرحلة الثانية من حياته، حيث عبث بالعقيدة الإسلامية الصحيحة وأباح الكثير من الموبقات.
واستعان بحاشية وعلماء من الشيعة، وأحاط نفسه بعلماء السوء والذين كانوا يتسابقون لكسب مودة الملك، وتبرير سياساته، وكان أكبر محبا للبدع والخرافات، حتى وصل به الأمر إلى أن سعى إلى إختراع دين جديد عرف باسم: الدين الإلهي، أو الدعوة الإلهية، والذي عُرف أيضا بالمذهب الأكبري، والذي عمل فيه على توحيد (الإسلام والمسيحية والهندوسية) في دين واحد.
وبرغم سيطرته الكاملة على بلاد الهند، إلا إن السواحل في عهده أضحت أغلبها تحت السيطرة البرتغالية، وأصبحت التجارة بيدهم وأصبح لهم مراكز قوية على الساحل !
السلطان جهانكير:
وقد جاء بعد السلطان أكبر ابنه جهانكير والذي تميز بالضعف والكسل، وكان أول من وقع معاهدة مع شركة الهند الشرقية البريطانية، والتي سمحت بالتدخل الأجنبي في شئون البلاد وقادتها للاحتلال لاحقا.
السلطان شاه جهان:
وقد خلف جهانكير ابنه السلطان شاه جهان (1592 م – 1666 م) والذي يعتبر عملاقا من عمالقة التاريخ الهندي، وسيظل كذلك بآثاره الفنية الرائعة الباقية التي تدل على الذوق الفني الرفيع والازدهار المالي مما لم تر الهند مثيلا له، فقد زين بلاده بمجموعة من المنشآت المعمارية الفخمة التي ما تزال آثارها إلى اليوم بأكرا، ومدينة نيودلهي التي تشهد على عظمة بانيها، والمثوى الفخم الذي يعرف باسم تاج محل، الذي أنشأه تخليدا لذكرى زوجته التي قضت نحبها في ريعان شبابها.
وقد قام بتوسعة حدود الدولة المغولية: بأن ضم أجزاء من مرتفعات الديكان؛ كما استطاع استرداد إقليم "قندهار" من أيدى الفرس، واتصف شاه جهان برجاحة العقل، والذكاء، وقوة العزيمة، فنجح في دحر الثورات التي قامت ضده في بداية حكمه في الدكن، كما يحسب له مواجهته الحازمة للتجار البرتغاليين الذين كانوا يعيثون في الأرض فسادا، وقضاؤه عليهم.
السلطان أورنجزيب عالمكير:
لكن آخر عهده شهد ضعف للسلطنة وظهرت بوادر الفتن والثورات بعد أن فُتِنَ شاه جهان بموت زوجته "ممتاز محل"، لذلك فقد قام ابنه أورنجزيب عالمكير (1619 م – 1707 م) بانتزاع الحكم منه وبذل جهودا حثيثة لتصحيح الأوضاع، خاصة مسيرة العقيدة الإسلامية في بلاد الهند؛ بعد العبث الشديد الذي أحدثه أبو جده "جلال الدين أكبر".
وقد حكم أورنجزيب حوالي خمسين عاما، وشهد عصره وصول الدولة إلى ذروة قوتها وأقصى اتساعها من جهة، وبداية تدهورها وهبوطها من جهة أخرى، واستطاع بجدارة تحويل شبه القارة الهندية إلى ولاية مغولية إسلامية، ربط شرقها بغربها، وشمالها بجنوبها تحت قيادة واحدة.
وخاض المسلمون في عهده أكثر من 30 معركة قاد هو بنفسه منها 11 معركة وأسند الباقي لقواده، وقد انفرد أورنجزيب عن سلاطين المغول الآخرين بأخلاقه الكريمة وتمسكه بالمثل العليا والقيم الدينية، فقد كان تقيا ورعا وسط بيئة مترفة منغمسة في اللهو، وكان فارسًا شجاعًا لا يشق له غبار، جاهد في نشر لواء الإسلام وإعلاء شأن المذهب السني، وقضى وقته يحفظ القرآن ويصوم أغلب أيام حياته، وينظر له المسلمون في الهند نظرتهم إلى أولياء الله الصالحين.
ويصفه الشيخ علي الطنطاوي بأنه "بقية الخلفاء الراشدين"، وقد كان على دراية كاملة بمخططات الهندوس والشيعة، خصوصا الأفغان منهم، فحارب الهندوس وأعفاهم من المناصب الهامة، واستعاد الأراضي التي كانوا قد استولوا عليها، ومنع دخول الشيعة إلى صفوف الجيش؛ وذلك لخيانتهم المتكررة، وأبطل الاحتفال بالأعياد الوثنية مثل عيد النيروز، ومنع عادة تقبيل الأرض بين يديه، والانحناء له، ومنع الخطب الطويلة التي تقال لتحية السلطان واكتفى بتحية الإسلام، كما منع دخول الخمر إلى بلاده، وصرف أهل الموسيقى والغناء عن بلاطه.
ورويت في ذلك قصة: أنه كان يوما خارج قصره فرأى الموسيقيين والقينات يلبسون السواد ويبكون ويحملون نعشا، فسأل ما هذا ؟ قالوا : هذا الغناء والمعازف نذهب لدفنها، فقال: إذن أحسنوا دفنها لئلا تقوم مرة أخرى.
وقد أقام السلطان أورنجزيب علاقات مصلحة على المستوى الحربي والتجاري مع الإنجليز؛ وذلك لخلق نوع من التوازن في الصراع، بعد أن تحالف الهندوس مع البرتغاليين، فسمح للإنجليز بفتح وكالات تجارية في الهند تشرف على مراكزهم التجارية، واستغل الإنجليز هذه السماحة من السلطان فعمدوا إلى مد نفوذهم، ومناهضة الدولة، ووحد الإنجليز جهودهم التجارية على ساحل الهند في شركة واحدة هي شركة الهند الشرقية.
سقوط دولة المغول الإسلامية في الهند:
وخلال نصف قرن حرص الإنجليز على البعد عن التدخل في أمور الدولة الداخلية حتى تثبتت أقدامهم في البلاد، وبدا وكأن أعمالهم في الهند تجارية بحتة وليست استعمارية، إلا أن أطماعهم الدفينة ما لبثت أن كشرت عن أنيابها فنشبت معركة بلاسي عام 1757م التي تعد أول المعارك الحاسمة بين الطرفين، وبمساعدة المنافقين والعملاء الذين تم تجنيدهم عبر عشرات السنين انتهت المعركة بهزيمة ثقيلة للمسلمين، إلا أن احتلال الإنجليز للهند لم يتم فعليًا إلا بعد قرن من الزمان بعد معارك طاحنة بين الطرفين.
وقد عاش آخر سلاطين المغول في كنف المستعمر البريطاني يأتمر بأمره دون سيطرة حقيقة منه على مقاليد الحكم، حتى جاء مشهد النهاية في 30 مارس 1858م حين قبض البريطانيون على السلطان بهادر شاه وحاكموه هو وأسرته ثم نفوه إلى بورما، وأعلنوا بعد ذلك ضم شبه القارة الهندية كلها إلى إمبراطوريتهم، ولقبوها بـ "درة التاج البريطاني" لتمارس سلطتهم الحكم بشكل مباشر، وتنهي الحكم الإسلامي في الهند والذي دام لأكثر من ثمانية قرون، وتسقط دولة المغول الإسلامية في الهند، والتي حكمت البلاد لأكثر من ثلاثة قرون.

صلاح الدين الأيوبي




هو الملك الناصر أبو المظفر يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان مؤسِّس الدولة الأيوبيةفي مصر والشام، وهو فارس نبيل، وبطل شجاع، وقائد من أفضل مَنْ عَرَفتهم البشرية، وشهد بأخلاقه أعداؤُه من الصليبيين قبل أصدقائه وكاتِبُوا سيرته، إنه نموذج فذٌّ لشخصية عملاقة من صُنْعِ الإسلام، إنه البطل صلاح الدين الأيوبي محرِّر القدس منالصليبيين، وبطل معركة حطين.
نشأة صلاح الدين الأيوبي
وُلِدَ صلاح الدين الأيوبي في تَكْرِيت عام (532 هـ= 1138م) لعائلة كردية، وكان والده محافظًا لقلعة تَكريت من قِبَلِ بهروز، وكان عمُّه أسد الدين شيركوه أحدَ القادة العظام في جيش نور الدين محمود حاكم الموصل. ومن غريب ما وقع أن ولادة صلاح الدين يوسف ابن نجم الدين أيوب بن شاذي صادفت إجبار أبيه على الخروج من تَكريت، فتشاءم أبوه منه. فقال له أحدُ الحضور: «فما يُدريك أن يكون لهذا المولود مُلكًا عظيمًا له صيتٌ؟!».
هاجر نجم الدين أيوب بأُسرته من تَكْرِيت إلى الموصل، وكان نزوله على عماد الدين زنكي، فأكرمه، ونشأ الطفل صلاح الدين نشأة مباركة، درج فيها على العزِّ، وتربَّى فيها على الفروسية، وتدرَّب فيها على السلاح، ونما فيها على حُبِّ الجهاد، فقرأ القرآن الكريم، وحفظ الحديث الشريف، وتعلَّم من اللغة ما تعلَّم.
صلاح الدين وزيرا في مصر
كانت مصر قبل قُدوم صلاح الدين إليها مقرًّا للدولة الفاطمية، وكانت مصر في هذا الوقت نهبًا للثورات الداخلية بين الطوائف المختلفة؛ من مماليك أتراك وسودانيين ومغاربة، وكانت الأوضاع غير مستقرَّة بسبب الاضطراب الذي سبَّبَه توالي عدد كبير من الخلفاء الفاطميين في مدد قصيرة، تتحكَّم في قراراتهم سلسلة من الوزراء. فطمع الصليبيون في مصر، فلمَّا رأى القائد نور الدين محمود هذه الخلافات، وبدا له طمع ملك بيت المقدس الصليبي في احتلال مصر، أرسل نور الدين محمود من دمشق إلى مصر جيشًا بقيادة أسد الدين شيركوه، يُساعده ابن أخيه صلاح الدين، فلمَّا علم الصليبيون بقدوم أسد الدين شيركوه، تركوا مصر، ودخلها أسد الدين، ثم خلفه على وزارتها صلاح الدين.
حيكت المؤامرات من أرباب المصالح، وأصحاب المطامع، ولكن صلاح الدين تغلَّب عليها كما تغلَّب على الفتن الخارجية، وبدا لصلاح الدين ظهور الباطنية في مصر، فأسَّس مدرستين كبيرتين؛ هما: المدرسة الناصرية، والمدرسة الكاملية؛ حتى يُحَوِّل الناس إلى مذهب أهل السُّنَّة؛ تمهيدًا للتغيير الذي يُريده، إلى أن استتبَّ الأمر لصلاح الدين تمامًا في مصر، وبعد موت الخليفة الفاطمي العاضد سنة (566 هـ= 1171م) دفع صلاح الدين العلماء إلى المناداة بالمستضيء العباسي خليفة، والدعاء له في الجمعة والخطبة باسمه من على المنابر، وبهذا انتهت الخلافة الفاطمية في مصر، وحكم صلاح الدين مصر كممثِّلٍ لنور الدين، الذي كان في النهاية يُقِرُّ بخلافة العباسيين، وعادت مصر إلى حظيرة الخلافة الإسلامية مرَّة أخرى، وأصبح صلاح الدين سيد مصر، ليس لأحد فيها كلمة سواه.
تأسيس الدولة
كان نور الدين محمود ما زال حيًّا، وكان صلاح الدين خائفًا من أن يُحاربه نور الدين، ففكَّر لأجل ذلك أن ينظر في مكان آخر يُقيم عليه دولة له، فبدأ صلاح الدين مبكِّرًا في إرسال بعض خاصَّته يستطلعون الأحوال في بلاد النوبة واليمن وبرقة.
تُوُفِّيَ نور الدين محمود في شوال سنة (569هـ= 1174م)، وبدأ الأمر يستقرُّ لصلاح الدين، وبدأ يعمل على توحيد مصر والشام، فبدأ صلاح الدين بالتوجُّه إلى بلاد الشام بعد وفاة نور الدين، فسار إلى دمشق، وتمكَّن من إخماد الثورات التي قامت في الشام بسبب الطمع في مُلك نور الدين –رحمه الله، ومكث بها قُرابة العامين من أجل أن يُعيد الحكم إلى حالة من الاستقرار؛ فضمَّ إليه دمشق، ثم استولى على حمص ثم حلب، وبذا أصبح صلاح الدين سلطانًا على مصر والشام، ثم عاد إلى مصر وبدأ الإصلاحات الداخلية، وخاصة في القاهرة والإسكندرية، وقد توسَّعَتْ سلطة صلاح الدين في البلاد فامتدَّت من النوبة جنوبًا وبرقة غربًا إلى بلاد الأرمن شمالًا وبلاد الجزيرة والموصل شرقًا.
صلاح الدين والجهاد
كان قلب صلاح الدين –رحمه الله- مفعمًا بحبِّ الجهاد شغوفًا به، قد استولى على جوارحه؛ حتى قال عنه الإمام الذهبي في السير: «كانت له همَّة في إقامة الجهاد وإبادة الأضداد، ما سُمِع بمثلها لأحد في الدهر (1).
وقد هجر : من أجل ذلك أهله وولده وبلده، ولم يكن له مَيْل إلَّا إليه، ولا حبٌّ إلَّا لرجاله. يقول القاضي بهاء الدين: «كان الرجل إذا أراد أن يتقرَّب إليه يحثُّه على الجهاد». وقال: «ولو حلف حالف أنه ما أنفق بعد خروجه إلى الجهاد دينارًا ولا درهمًا إلَّا في الجهاد أو في الإرفاد لصدَّق وبرَّ يمينه» (2).
إنَّ لكل رجل هِمَّةً، وهمَّة الرجل على قدر ما أهمَّه، وكأنِّي بابن القيم –رحمه الله- يصف صلاح الدين حين قال: «النعيم لا يُدرك بالنعيم، وبحسب ركوب الأهوال واحتمال المشاقِّ تكون الفرحة واللَّذَّة، فلا فرحة لمَنْ لا همَّ له، ولا لذَّة لمَنْ لا صبر له، ولا نعيم لمَنْ لا شقاء له، ولا راحة لمَنْ لا تعب له (3).
وهكذا كانت حياة صلاح الدين كلها جهاد، وكان يعود من غزو إلى غزو، ومن معركة إلى معركة، وقد استغرقت ترجمةابن الأثير له في كتابه «الكامل في التاريخ» أكثر من 220 صفحة كلها مفعمة بالجهاد، وكانت معركة حطين من معاركه التي كُتبت بأقلام من نور على صفحات من ذهب، وسطرت على جبين التاريخ شاهدة له بكل معاني الجهاد والتضحية.
الحرب مع الصليبيين
بينما كان صلاح الدين يعمل على بسط نفوذه في الشام كان غالبًا ما يترك الصليبيين لحالهم مرجئًا المواجهة معهم، وإن كانت غالبًا لم تَغِبْ عنه حتميتها، إلَّا أنه كان عادة ما ينتصر عندما تقع مواجهة معهم، وكان الاستثناء هو موقعة مونتجيسارد (573 هـ= 25 نوفمبر 1177م) حيث لم يُبدِ الصليبيون مقاومة فوقع صلاح الدين في خطأ تَرْكِ الجند تسعى وراء الغنائم وتتشتَّت، فهاجمته قوات بولدوين السادس ملك أورشليم وأرناط وفرسان المعبد فهزموه، إلَّا أن صلاح الدين عاد وهاجم الإمارات الفرنجية من الغرب وانتصر على بولدوين في معركة مرج عيون سنة (575 هـ= 1179م)، وكذلك في السنة التالية في موقعة خليج يعقوب، ثم عُقِدَتْ هدنة بين الصليبيين وصلاح الدين سنة (576 هـ= 1180م).
إلَّا أنَّ غارات الصليبيين عادت فحفَّزت صلاح الدين على الردِّ؛ فقد كان أرناط يتحرَّش بالتجارة وبالحُجَّاج المسلمين بواسطة أسطول له في البحر الأحمر، فبنى صلاح الدين أسطولًا من 30 سفينة لمهاجمة بيروت سنة (577 هـ= 1182م)، وعندها هدَّد أرناط بمهاجمة مكة والمدينة، فحاصر صلاح الدين حصن الكرك معقل أرناط مرَّتين في عام 1183م وعام 1184م، وردَّ أرناط بمهاجمة قوافل حجاج مسلمين سنة (581 هـ= 1185م).
فتح القدس
في عام (583هـ= 1187م) سقطت أغلب مدن وحصون مملكة بيت المقدس في يد صلاح الدين، وبعد ذلك انتصرت جيوش صلاح الدين على القوات الصليبية في موقعة حطين في (24 من ربيع الآخر 583هـ= 4 من يوليو 1187م)، وبعد المعركة سرعان ما احتلَّت قوات صلاح الدين وأخيه الملك العادل المدن الساحلية كلها تقريبًا جنوبي طرابلس: عكا، بيروت، صيدا، يافا، قيسارية، عسقلان. وقطع اتصالات مملكة القدس اللاتينية مع أوربا، وفي النصف الثاني من سبتمبر 1187م حاصرت قوات صلاح الدين القدس، ولم يكن بمقدور حاميتها الصغيرة أن تحميها من ضغط 60 ألف رجل؛ فاستسلمت بعد ستة أيام، وفي 27 من رجب 583 هـ= 12 من أكتوبر 1187م فُتحت الأبواب ورُفعت راية السلطان صلاح الدين الصفراء فوق القدس.
وعامل صلاح الدين القدس وسُكَّانها معاملة أرقَّ وأخفَّ بكثير ممَّا عامل الغزاة الصليبيون أهلها حين انتزعوا المدينة من حُكْم مصر قبل ذلك بمائة عام تقريبًا، فلم تقع حوادث قتل وسلب ونهب وتدمير للكنائس، وأدَّى سقوط مملكة القدس إلى دعوة روما إلى بدء التجهيز لحملة صليبية ثالثة لاسترداد القدس، ولكنها باءت بالفشل.
ريتشارد قلب الأسد والحملة الصليبية الثالثة
حفَّز فتح القدس خروج حملة صليبية ثالثة، مُوِّلت في إنجلترا وأجزاء من فرنسا بضريبة خاصة عُرفت عند الغرب بضريبة صلاح الدين، قاد الحملة ثلاثة من أكبر ملوك أوربا في ذلك الوقت هم ريتشَارد قلب الأسد ملك إنجلترا، وفيليب أغسطس ملك فرنسا، وملك ألمانيا فريدريك بربروسا الإمبراطور الروماني المقدس، إلَّا أن هذا الأخير مات أثناء الرحلة، وانضمَّ الآخران إلى حصار عكا التي سقطت سنة (587هـ= 1191م)، وأُعدم فيها ثلاثة آلاف سجين مسلم بمَا فيهم من نساء وأطفال، وفي 7 سبتمبر 1191م اشتبكت جيوش صلاح الدين مع جيوش الصليبيين بقيادة ريتشارد في معركة أرسوف التي انهزم فيها صلاح الدين، إلَّا أنَّ الصليبيين لم يتمكَّنُوا من اجتياح الداخل، وبقوا على الساحل، وفشلت كل محاولاتهم لغزو القدس فوقَّع ريتشارد في عام (587هـ= 1192م) معاهدة الرملة مع صلاح الدين؛ مستعيدًا بموجبها مملكة أورشليم الصليبية في شريط ساحلي ما بين يافا وصور، كما فُتحت القدس للحُجَّاج المسيحيين.
وكانت العلاقة بين صلاح الدين الأيوبي وريتشارد مثالاً للفروسية والاحترام المتبادلين؛ رغم الخصومة العسكرية، فعندما مرض ريتشارد بالحمى أرسل إليه صلاح الدين طبيبه الخاصَّ، كما أرسل إليه فاكهة طازجة وثلجًا لتبريد الشراب، وعندما فقد ريتشارد جواده في أرسوف أرسل إليه صلاح الدين اثنين.
ومن المعروف أن صلاح الدين وريتشارد لم يلتقيا أبدًا وجهًا لوجه، وكان التواصل بينهما بالكتابة أو بالرسل.
وفاة صلاح الدين الأيوبي
بلغ صلاح الدين من العمر في عام (589 هـ= 1193م) السابعة والخمسين، غير أن ما تعرَّض له من الإرهاق والتعب طوال مدَّة اصطدامه بالصليبيين أنهك صحَّته، وقد أقام في بيت المقدس إلى أن عَلِمَ برحيل ريتشارد قلب الأسد؛ فالتفت إلى تنظيم الشئون الإدارية لإقليم فلسطين، غير أن العمل أَلَحَّ عليه بضرورة المسير إلى دمشق، وفي الوقت ذاته فإنَّ ما تجمَّع في أثناء السنوات الأربع التي أمضاها في القتال من مشاكل إدارية وتراكم الأعمال التنظيمية، استدعى أن يُؤَجِّل زيارته لمصر، وتأدية فريضة الحجِّ، وتَطَلَّبَ منه بذل مجهودٍ كبيرٍ لتعويض ما خَرَّبته الحروب، وما تهيَّأ له من وقت الفراغ أمضاه في المناقشات مع العلماء في المسائل الدينية، وكان يخرج للصيد أحيانًا، على أنَّ كلَّ مَنْ شاهده ممَّنْ يعرفه -في أواخر الشتاء- أدرك أنَّ صحَّته انهارت، فصار يشكو من التعب والنسيان، ولم يَعُدْ باستطاعته أن يستقبل الناس.
وفي 16 من صفر 589 هـ= 21 من فبراير 1193م انتابته حُمَّى صفراوية استمرَّت اثني عشر يومًا، وقد تحمَّل أعراض المرض بجَلَدٍ وهدوء، وقد علم أن النهاية اقتربت، وفي 24 من صفر 589هـ أول مارس انتابته غيبوبة، وبعد صلاة الصبح من يوم الأربعاء في 27 من صفر= 4 من مارس وبينما كان الشيخ أبو جعفر إمام الكلاسة يتلو أمامه القرآن؛ حتى إذا انتهى إلى قوله تعالى: {هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [الحشر: 22] فتح صلاح الدين عينيه وتبسَّم، وتهلَّلَ وجهه، وسمعه وهو يقول: «صحيح...». ثم مضى إلى ربِّه في قلعة دمشق؛ فتولَّى تجهيزه القاضي الفاضل والقاضي المؤرخ ابن شدَّاد، وغَسَّلَه خطيب دمشق، واجتمع الناس في القلعة، وصَلَّوْا عليه ودُفِنَ فيها، وعَمَّ الحزنُ الكبارَ والصغارَ، ثم جلس ابنه الملكُ الأفضلُ عليٌّ للعزاء ثلاثة أيام، وأرسل الكتب إلى أخيه العزيز عثمان في مصر، وأخيه الظاهر غازي في حلب، وعمِّه العادل في الكرك، فحضروا، ثم حُصِرَت تَرِكَتُه فكانت دينارًا واحدًا وستةً وثلاثين درهمًا، ولم يُخَلِّفْ من المال سواها ثابتًا أو منقولًا؛ إذ كان قد أنفق معظم ماله في الصدقات.
وبالرغم من أن الدولة التي أسَّسها صلاح الدين لم تدم طويلًا من بعده، فإنَّ صلاح الدين يُعَدُّ في الوعي الإسلامي مُحرِّرَ القدس، واستُلْهِمَتْ شخصيَّته في الملاحم والأشعار، حتى مناهج التربية الوطنية في الدول العربية، كما أُلِّفَتْ عشرات الكتب عن سيرته، وتناولتها المسرحيات والتمثيليات والأعمال الدرامية، ولا يزال صلاح الدين يُضرب به المثل على القائد المسلم المثالي، الذي يعمل على مواجهة أعدائه بحسم ليُحَرِّرَ أراضي المسلمين، دون تفريط في الشهامة والأخلاق الرفيعة.

أهم جزر اليمن





اليمن، أو بالإنجليزية (Yemen):

 هي دولة عربيّة آسيوية، وتقع بالنسبة إلى قارة آسيا في الجهة الجنوبيّة الغربيّة، وتعدّ الأراضي اليمنيّة جغرافيًّا وسياسيًّا جزءًا هامًّا من شبه الجزيرة العربية، وتقع اليمن بالنسبة إلى هذه الجزيرة في الجهة الجنوبيّة.

 تحد اليمن من الجهة الشرقية عُمَان، ويحدّها من الجهة الغربية كل من البحر الأحمر، ومضيق باب المندب، وخليج عدن، وتحدّها المملكة العربية السعودية من الجهة الشمالية، ويحدّها من الجهة الجنوبية كلّ من بحر العرب، وخليج عدن الذي يتصل ببحر العرب. تمتلك اليمن ساحلًا بحريًّا طويلًا يحتل أجزاءً من سواحل ثلاثة مسطّحات مائية وهي: البحر الأحمر، وخليج عدن، وبحر العرب؛ حيث يبلغ طول الساحل اليمني على هذه المسطّحات المائية:

 (2500) كيلو متر تقريبًا، وقد أعطى هذا الساحل الطويل لليمن الفرصة لامتلاك الكثير من الجزر الّتي تقع في هذه المسطّحات، وتتوزّع عليها؛ حيث يبلغ عدد هذه الجزر (182) جزيرة.

 توجد أغلب الجزر اليمنيّة في البحر الأحمر؛ حيث يبلغ عدد الجزر اليمنية الواقعة في
 البحر الأحمر: (150) جزيرة، ويبلغ عدد الجزر اليمنية الواقعة في

 خليج عدن: (21) جزيرة
، ويبلغ عدد الجزر اليمنية الواقعة في بحر العرب: (11) جزيرة،

وهذه الجزر تتفاوت فيما بينها من حيث المساحة، وتتفاوت أيضًا من حيث الاستيطان البشري، فمنها جزر مأهولة بالسكان، ومنها جزر مهجورة وغير مأهولة بالسكان، فالغالبيّة العظمى من الجزر اليمنيّة غير مأهولة بالسكان؛ وذلك إمّا لصغر حجمها، وإمّا لعدم توفر المقومات الأساسية للحياة فيها. يبلغ عدد سكان الجزر اليمنية المأهولة بالسكّان: (140,000) نسمة تقريبًا، ويشكّل هذا العدد نسبة ضئيلة من المجموع الكلّي لسكان اليمن، والذي يبلغ: (23,833,000) نسمة حسب تقديرات عام 2011م، ويتجمّع أغلب هؤلاء السكان في أرخبيل سقطرى؛ حيث تصل نسبة السكّان في أرخبيل سقطرى من المجموع الكلي لسكان الجزر اليمنية: 85% تقريبًا، وجزر سقطرى هي من أهمّ الجزر اليمنية، وتقع هذه الجزر في بحر العرب، على مقربة من السواحل الصوماليّة، وتبعد عن سواحل اليمن الجنوبية: (350) كيلو مترًا تقريبًا؛ فهي أقرب إلى السواحل الصوماليّة من السواحل اليمنية. ومن أهمّ الجزر اليمنيّة جزيرة كمران، والتي تسمى بالإنجليزية: (Kamaran)، وهذه الجزيرة تقع في البحر الأحمر، وهي قريبة من الشريط الساحلي اليمني الغربي، وتقع جزيرة كمران بالنسبة إلى البحر الأحمر على مقربة من السواحل الجنوبية الشرقيّة لهذا البحر، وتتبع جزيرة كمران إداريًّا إلى مديريّة كمران التي تعدّ إحدى مديريات محافظة الحديدة. وتبلغ مساحة جزيرة كمران: (100) كيلو مترٍ مربعٍ تقريبًا، ويصل عدد سكّانها إلى أكثر من (3000) نسمة.

قارات العالم القديم



العالم القديم يختلف عن العالم الحديث من حيث المساحة، ويقصد بمصطلح العالم القديم ذلك العالم الذي كان الناس يعيشون عليه في القرون الوسطى قبل اكتشاف ما يعرف بالعالم الحديث من قبل الرحلات الاستكشافية الأوروبية، حيث خرجت هذه الرحلات من عدة دول أوروبية وأهمها البرتغال وإسباينا، فتم اكتشاف قارات جديدة من العالم وهي أوقيانوسيا والأمريكيتين الشمالية والجنوبي.

 فالقارات القديمة التي شكلت ما يعرف بالعالم القديم هي القارة الأوروبية والقارة الآسيوية والقارة الإفريقية، فكانت الحضارات القديمة والتوزع السكاني متركزة بشكل أساسي في هذه القارات، فهي أصل العالم وهي مركز كل تطور حاصل الآن، وإلى الآن لا زال دورها أساسياً في باعتبارها مركز العالم وثقله.

 قارة آسيا:هي القارة الأكبر في العالم وأكثرها تمركزاً للسكان، وهي القارة المهمة من الناحية التاريخية، فهي مهد الحضارات والأديان قديماً وكانت محط الأنظار ومركز الصراعات حتى يومنا هذا، استطاعت هذه القارة الضخمة أن تضم حضارات عريقة على امتداد التاريخ القديم، فنشأت فيها الحضارة الصينية، وتعاقبت الحضارات الهندية، مع وجود الدولة الروسية الكبيرة التي تشكل مساحة كبيرة من مساحة أراضيها. أما بالنسبة للمنطقة العربية والغربية من هذه القارة فهي مهد الأديان ففيها أكثر بقاع العالم قدسية فلسطين التي يدعي يوجد لجيمع أتباع الديانات ارتباطاً بها إضافة إلى الحضارة العربية والإسلامية التي أنارت العالم من مكة والمدينة في شبه الجزيرة العربية، ولن ننسى الحضارة اليمينة العريقة وحضارات ما بين النهرين دجلة والفرات كالحضارات السومرية والبابلية وغيرهما، وأخيراً الدولة العثمانية التي حكمت بقاعاً كثيرة من بقاع العالم.

 قارة إفريقيا:إفريقا تكمل آسيا وآسيا تكمل إفريقيا، فالحضارات الناشئة في آسيا لا بد وأن تمتد إلى إفريقيا في يوم من الأيام والعكس صحيح، فلقد كانت إفريقيا مهد الحضارة الفرعونية وباقي حضارات النيل، وهي أيضاً امتداد للحضارة الرومانية والإغريقية التي سيطرت على العالم في يوم من الأيام من أوروبا، والحضارة الإسلامية التي سيطرت على العالم من شبه الجزيرة العربية، تحتوي القارة الإفريقية على بلد مهم جداً يمثل محوراً هاماً ورئيسياً حتى هذا اليوم وهي مصر العظيمة، عدا عن البربر الذين كانوا متواجدين في شمالها في القديم من الزمان، عدا عن الدول والحضارات القديمة التي ظهرت من إفريقيا وأثؤت على القارات الأخرى وخاصة القارة الأوروبية.

 قارة أوروبا:تحتوي القارة الأوروبية على الحضارة اليوناينة القديمة التي كانت تعتبر منارة العلم في العالم في وقتها وآثارها موجودة إلى الآن، كما أنها مهد الحضارة الرومانية، وفيها دول مهمة كفرنسا وبريطانيا واسبانيا، وهي التي اكتشفت دول العالم الحديث عن طريق البعثات الاستكشافية.

تعريف الجزيرة




الجزيرة 

الجزيرة  هي قطعة من اليابسة ، تكون المياه محيطة بها من كل الاتجاهات ، وقد تكون بحجم عدّة مترات مربّعة ، وقد تصل أحياناً لمساحات كبيرة تشكّل دولاتٍ ، ولكنّها ليست كبيرة الحجم ليطلق عليها اسم قارّة . يأتي معنى الجزيرة في اللغة العربيّة على أنها ( قطع ) و ( صرم ) ، وقد سمّيت جزيرة بسبب انقطاعها عن الأرض .

 * تقسيمات الجزر :

اهتمّ الجغرافيّين بدراسة الجزر ، وقاموا بتقسيمها إلى ثلاثة أنواع أو أقسام ، إضافة إلى وجود أقسام فرعيّة من هذه التقسيمات :

 1- الجزر القاريّة : وهي دائماً ما تكون جزء من القارّات ، أيّ متّصلة ومرتبطة بالقارات من خلال رصيفٍ قارّي ، أو مجاورة للقارة ، كجزيرتي جرينلان وسابيل المتّصلتين بقارة أميركا الشماليّة ، وجزيرتي جاوة وسومطرة المتّصلتين بقارة آسيا ، ولا ننسى جزيرة صقلية المجاورة لقارة أوروبا . وهناك نوع يُقال له ( الجزر الدقيقة القاريّة ) ، وهي من النوع الذي نشأ نتيجة لتصدّع في الصفائح القاريّة ، وكان مثال على هذه الجزر جزيرة مدغشقر ، وأيضاً جزر سيشل .

 2- الجزر النهريّة : وتشكّلت بسبب ترسّب حمولة مياه الأنهار في موقع معيّن ، خلال أزمنة عدّة ، من حصى ورمل وبقايا حيويّة ، وخير مثال عليها في نهر النيل جزيرة الزمالك ، ولكن بعض هذه الجزر النهريّة قد تزول بفعل التغيّر في سرعة تيّار النهر .

 3- الجزر البركانيّة : وهذه الجزر قد ظهرت وتشكّلت بفعل البراكين ، ولها عدّة أنواع :

4- منها ما ظهر بفعل البراكين التي وقعت عند أماكن الانزلاق التكتوني لأحدى الصفائح فوق الأخرى ، كجزيرتي ماريانا وتونجا في المحيط الهادي ، وأيضاً جزر ساندويتش الجنوبية في المحيط الأطلسي .

5- منها ما ينتج بسبب الصدوع المحيطة والتي تنشأ عند ما يسمّى الحدود التباعدية اللوحيّة ، كجزيرتي آيسلندا وجان ماين اللتين تقعان في المحيط الأطلسي .

 6- منها تلك الجزرالتي تشكلت فوق ما يسمّى (البقع الساخنة البركانيّة) ، ومعظم هذه الجزر تتآكل ، وبعد ملايين السنين تغرق في الماء ، مشكّلة جبالاً بحريّة ، ومثال عليها (جزر هاواي) كاملة ، حيث تؤدّي حركة الصفائح لتكوين أجزاء من اليابسة ، تتشكل على هيئة خطوط متّجهة الى حيث البقع الساخنة .

 7- ومنها ما يدعى بالشعاب الحلقيّة ، حيث تكوّنت على الجزر البركانيّة الغارقة في المحيط شعاباً مرجانيّة ، لتنمو وتشكّل جزيرةً كاملة ، ومثال عليها على المحيط الأطلسي جزر بورا بورا ، وعلى المحيط الهندي جزر المالديف .

* أهم الجزر في العالم وأشهرها : ( جاوه ، قبرص ، جربة ، مالطا ، الكناري ، كريت ، البحرين ، أرواد ، مايناو ) وغيرها الكثير .

أين تقع جبال الهملايا؟



من أهمّ ما يُميّز كوكب الأرض هو التنوّع الجغرافيّ والمناخي فيه ووفرة الماء والضوء المُناسب، وهذا التنوّع الفريد أكسب هذا الكوكب ميّزة الحياة عليه وصلاحِهِ للعيش، ومن أبرز المعالم الجغرافيّة لكوكب الأرض هي الجبال الشاهقة التي تقوم بدور أساسيّ في حفظ الأرض من الحركات، وخصوصاً حركة الصفائح والhنزلاقات الصفائحيّةP فالجبال يتمّ تشبيهها بأنّها كالأوتاد التي تحفظ البيت من السقوط وتُقيم دعائمه.

ومن أهمّ السلاسل الجبليّة وأكثرها شُهرة هي سلسة جبال الهملايا، وتكتسب هذه السلسلة الجبليّة شُهرتها بسبب وجود أعلى قمّة في العالم من ضمن جبالها وهي قمّة إفرست التي يصل ارتفاعها إلى قرابة 8848 متراً عن سطح البحر، وهي تُعتبر قمّة العالم. ومن المعلوم أنَّ الجبال تتفاوت في أعمارها ونشأتها؛ فالجبل هو معلم جغرافيّ يتم تشكّله في أغلب الظروف جرّاء الاصطدامات والالتحامات بين الصفائح القاريّة وشبه القاريّة، وهي ما تُدعى بالتحرّكات التكتونيّة، وأيضاً تلعب البراكين بصخورها الناريّة وعمليّات الطيّ دوراً كبيراً في تشكّل الجبال. وتُعدّ جبال الهملايا من الجبال ذات العُمر الجيولوجي الصغير نسبيّاً إذا ما تمّت مُقارنته ببقيّة الجبال الأخرى، وقد كانت نشأة هذهِ السلاسل الجبليّة نتيجة التحام شبه القارّة الهنديّة بالكتلة الآسيويّة التي كانت قد انفصلت عنها منذ حوالي 200 مليون سنّة تقديريّة؛ حيث كانَت نتيجة هذا الالتحام ظهور السلسلة الجبليّة التي يزداد ارتفاعها كلّما زادَ حجم الضغط الصفائحي، ومن الجدير بالذّكر أنَّ طبيعة الصخر الذي تتكوّن منه سلسلة جبال الهملايا هو الصخر الجيري.


تقع جبال الهملايا في القارّة الآسيويّة؛ حيث تمتدّ هذهِ السلسلة الجبليّة الطويلة إلى أكثر من دولة، وهي ستة دول: الهند، والصين، وأفغانستان، والباكستان، ونيبال، وبوتان، وكثيراً ما نسمع أنّها تقع في منطقة التبت، وللعلم فإنَّ التبت هي إحدى مناطق الصين، ولكن تخضع للحكم الذاتيّ، ومن الآثار الطبيعيّة التي تَمدّها السلسلة الجبليّة العملاقيّة هي الأنهار الثلاثة التي تُعدّ سلسلة جبال الهملايا من أبرز روافدها وهي:

 نهر السند، ونهر الجانج، ونهر ينجتزي، وتشكّل هذهِ الأنهار مصدراً أساسيّاً للماء للمناطق الواقعة ضمن الهملايا.\

 وجبال الهملايا بالإضافة إلى اكتسائها بالثلوج فهيَ أيضاً تحوي الأشجار والنباتات، ولكن العامل الرئيسي في توزّع الغطاء النباتي على هذهِ القمم الجبليّة هو ارتفاع السلسة الجبليّة التي تتفاوت من مكان إلى آخر، وتتواجد في هذهِ الجبال والسلاسل شبه الجبليّة أشجار البلوط والكستناء، وفي الجبال المرتفعة تتواجد الأشجار الصنوبريّة، وفي مناطق المُنحدرات الجنوبيّة تنمو أشجار التين والنخيل.

تعريف السهول



السهول

 تعرف السهول بأنّها مساحات مستوية واسعة من الأراضي، لا يوجد فيها مرتفعات أو أماكن شديدة الإنحدار، وهي أراضٍ قليلة التضاريس شديدة التسطّح، ورغم اشتراكها في الخصائص العامة كالاستواء وهوادة السطح إلّا أنّها تتباين في الارتفاع عن سطح البحر وفي درجة الاستواء، فمنها ما هو تام الاستواء ومنها ما هو كثير المنخفضات والتلال والوديان والسهول متنوعة من حيث أماكن وجودها وأشكالها.

أنواع السهول السهول الساحلية:

 هي السهول الموجودة بقرب خط الساحل، ويستخلص من هذه السهول الثروات المعدنية ومصادر الطاقة.

 السهول الفيضية النهرية: هي النوع الثاني من أنواع السهول وتحمل صفة الأودية النهرية التي تتكون رواسبها من الحبيبات الصخرية المحملة من النهر الذي تقع عليه.

 السهول النحاتية: هي السهول المنحوتة فوق الصخور الصلبة، والتي تنتج عن عوامل التعرية والحت.


أهمية السهول


 للسهول أهمية في قيام الموانئ الطبيعية وفي قيام المراكز العمرانية وتركز السكان كذلك ومن السهول المعروفة حول العالم ، سهول سيبيريا التي تمتد في شرق جبال أورال، وتعدّ أوسع السهول الداخلية قليلة الانحدار، لذلك تكثر بها البحيرات والمستنقعات وتسمى أجزاءها الجنوبية بسهول القرغيز. سهول هندستان وتتمثل في مساحات كبيرة من أرض الهند وبنجلادش.
سهول الصين وتمتد في الاتّجاه الشمالي الجنوبي ويتمثل عليها مجموعة من السهول الفيضية الكبيرة.

 السهول الشمالية المتسعة المتجمدة معظم فصول السنة. سهول الهلال الخصيب وتتمثل في أرض العراق. السهول الغربية وتعرف بسهول الإحساء علي الضفة الغربية للخليج، وتعرف أيضاً بسهول تهامة الواقعة على البحر الأحمر، وتعرف بسهول الشام الواقعة على البحر المتوسط. السهول الشرقية التي تعرف باتساعها وخاصة عند مصبات الأنهار.

ملخص

 السهول هي عبارة عن مساحات مستوية من سطح الكرة الارضية، كما أنّها تصف بأنها لا تحتوي على منحدرات شديدة بالإضافة إلى عدم توفر مرتفعات، كما أنّ السهول قليلة التضاريس، حيث إن للسهول انواع ومنها السهول الساحلية وتعرف بأنّها يستخلص منها الثروات المعدنية ومصادر الطاقة كما أنها تقع قرب خط الساحل، كما أنّ هناك نوع آخر من السهول وهي السهول الفيضية النهرية وهذا النوع من السهول يتصف بالأودية النهرية كما أن هناك نوع آخر ثالث للسهول وهي السهول النحاتية، كما أنّ الصخور النحاتية تعرف بأنّها السهول التي تم نحتها فوق الصخور الصلبة

تعريف الهضاب




تتكوّن الكرة الأرضيّة من جزئين أساسين وهما: اليابسة والماء، حيث تشكّل الماء النسبة الأكبر من مساحة الكرة الأرضيّة، بما فيها البحار، والمحيطات، والأنهار، والينابيع، والبحيرات. بينما تختلف مظاهر الأرض وتضاريسها على اليابسة، وتتنوّع بإختلاف العوامل المؤثّرة في الأرض؛ فلدينا السهول، والجبال، والوديان، والصحاري، والهضاب، والتلال، والغابات، والأغوار، وغيرها من مظاهر الأرض في اليابسة. هنا سنتحدّث عن الهضاب وتعريفها، وأنواعها، والعوامل المؤثرة في تكوينها، وما أهي أشهر الهضاب في العالم.

 الهضاب هي عبارة عن أراضي مرتفعة ومسطّحة، تمتد على مساحات واسعة تصل إلى المئات من الكيلومترات المربّعة. وللهضاب قمم كقمم الجبال والتلال أيضاً، وهي تمتاز عن الجبال والتلال بأنّها تتجانس في إرتفاعاتها بين الأجزاء المختلفة للهضبة. ويحيط بالهضبة جانب منحدر أو أكثر من جانب، وهي غالباً ما تهبط إلى الأرض المحيطة بها بشكل فجائي، فيبدو المنحدر على شكل حائط.

 بعض الهضاب قد ترتفع فيها جانب أو أكثر من جانب عن بقيّة المستوى العالم للهضبة، حيث أنّ حاجز الهضبة يكون صلباً، ومنحدراتها مائلة بشدّة، وبذلك فإنّ بعض الهضاب أحياناً يكون سطحها واضحاً ويكون شكل الهضبة يشبه "المنضدة". أمّا العوامل الأساسية التي تساعد في تكوين الهضاب بكل أنواعها فهي مختلفة، ولكنها تتلخص بالآتي:

 أوّلا قد تكون طبيعة التكوين السطحيّ للهضبة ودرجة تماسك الهضبة وصلابتها،
وثانياً فإنّ المياه الجارية السطحيّة تؤثّر في تشكيل الهضبة،
وثالثاً فإنّ التباين والإختلاف الكبير في درجات حرارة الطقس في الليل والنّهار في اليوم وإختلاف الحرارة بين فصل الصيف والشتاء.

هناك أنواع مختلفة من الهضاب التي تشكّلت بفعل عدّة عوامل، من هذه الأنواع:
 أوّلاً: هضاب الرفع: هي عبارة عن هضاب تكوّنت بسبب حركات الرفع التي تحدث من باطن الأرض، حيث أدّت حركات الأرض هذه إلى رفع أجزاء معيّنة من الأرض، لتشكّل الهضاب المستوية. ومن الأمثلة على هذه هضاب الرفع: هضبة النقب في فلسطين، وفي الهند هناك هضبة الدكن.
 ثانياً: الهضاب البركانيّة: وهي عبارة عن هضاب تكوّنت بسبب تجمّع مواد بركانيّة تسمّى اللافا وقد انصهرت على سطح الأرض وتجمّدت على شكل أفقيّ.

 ومن الأمثلة على هذا النّوع من الهضاب: هضبة اليمن في شبه الجزيرة العربيّة، وفي سوريا هناك هضبة حوارن، وفي إثيوبيا هناك هضبة الحبشة. ثالثاً: هضاب التّعرية: وهي عبارة عن هضاب تكّونت بسبب الرياح والأمطار والمياه الجارية السطحيّة من المناطق المرتفعة، وهي هضاب شبه مستوية. ومن الأمثلة على هضاب التّعرية: في شبه الجزيرة العربيّة لدينا هضبة نجد، والهضبة الإفريقيّة الكبرى في قارّة إفريقيا والتي تمتاز بكثرة أحواضها، ووديانها الجافّة، وحافاتها القاريّة، وكتلها الجبليّة.